مراجعة كتاب: السمكة في الداخل، نيل شوبين.

إن الإيمان بصحة نظرية التطور شيء، ومشاهدتها على أرض الواقع بمساعدة عدد لا يحصى من الأمثلة الصغيرة والكبيرة في كل جزء من أجزاء الجسم شيء آخر تمامًا.

لقد عرف البشر وعلماء الأعصاب هذا الأمر منذ سنوات، فهم مخلوقات تحب إيجاد الروابط. هذا هو ما يفعله دماغنا بشكل أفضل، بشكل أو بآخر: فهو يفحص العالم من حوله باستمرار ويحاول أن يجد فيه إحساسًا يساعدنا على البقاء. كان الشتاء ممطرًا بشكل خاص، وكان الحصاد ناجحًا للغاية - ربما هناك علاقة بين الأحداث؟ يجب أن أسقي النباتات جيداً

ولعل هذا هو السبب الذي يجعل العلاقات التي كانت مخفية عنا تظهر فجأة لنا، ونستمد منها متعة كبيرة. ربما لهذا السبب استمتعت كثيراً بكتاب "السمكة في الداخل"، من تأليف نيل شوبين (Attic Books، يديعوت أحرونوت، ترجمة: عدي ماركوز هيس).

نيل، أستاذ التشريح في جامعة شيكاغو، يكشف لنا تاريخ أجسادنا. لم تكن المخلوقات الشبيهة بالبشر موجودة في العالم إلا منذ بضعة ملايين من السنين، ولكن في داخلنا توجد آثار مثيرة ورائعة لتاريخ تشريحي يمتد لأكثر من ثلاثة مليارات سنة. بنفس الطريقة التي يحتوي بها وجه الطفل على مزيج من الملامح من كلا الوالدين، فإن تشريحنا وعلم الوراثة والكيمياء لدينا يخون قرابتنا العائلية للبكتيريا البدائية التي طفت في بحر قديم في الأيام التي لم تكن فيها الأرض سوى طفلة صغيرة. ببساطة، نحن نموذج محسن (بشكل أو بآخر، كما سنرى قريبا) لجميع تلك المخلوقات التي جاءت قبلنا.

إليكم مثال رائع على هذا الارتباط العائلي.
الفواق هي ظاهرة شائعة ومألوفة. الحازوقة هي نتيجة تقلص تشنجي لعضلات الجهاز التنفسي مما يؤدي إلى دخول الهواء بسرعة إلى الرئتين. مباشرة بعد التشنج، تنغلق القصبة الهوائية، ويتوقف الهواء فجأة ويصدر صوت الحازوقة المألوف. نشأت الحازوقة في الأيام التي كنا فيها لا نزال نمارس الأسماك، وبعد ذلك كنا برمائيات. كيف؟

تخرج الأعصاب المسؤولة عن التنفس من جذع الدماغ، وهي منطقة تقع في الجزء السفلي من الدماغ. وهذه بقايا من بنية جسم السمكة، وتبقى كما كانت. ومع ذلك، فقد غيّر الدماغ موقعه: فقد استطالت الرقبة وأصبحت المسافة بين جذع الدماغ وأعضاء الجهاز التنفسي لدى البشر أكبر بكثير منها في الأسماك. أبسط حل تطوري لمشكلة المسافة هو إطالة الأعصاب، وبالتالي يجب أن تتحرك ذهابًا وإيابًا حول الجزء العلوي من الجسم حتى تصل إلى وجهتها. الأعصاب الطويلة معرضة لمختلف الاضطرابات التي من شأنها أن تؤدي إلى تشنج الحازوقة.

وانسداد القصبة الهوائية بعد ذلك التشنج ظاهرة معروفة عند البرمائيات كالشراغيف على سبيل المثال. وهو ضروري للتنفس تحت الماء: أثناء التشنج يدخل الماء إلى الخياشيم، وتنغلق القصبة الهوائية فجأة لمنع دخول الماء إلى الرئتين. يمكن ملاحظة أن نفس الإجراءات التي توقف الحازوقة عند البشر ستتوقف عن التنفس عند الضفادع الصغيرة: على سبيل المثال، شد عضلات الجهاز التنفسي (أي ما يعادل استنشاق كمية كبيرة من الهواء وحبس النفس) وزيادة ثاني أكسيد الكربون (الاستنشاق في ورقة) حقيبة لنا). إذن فإن الحازقات هي بقايا تصميم كان ناجحًا في ذلك الوقت في الأسماك والبرمائيات، لكنه لم يكن ناجحًا جدًا فينا.

باستخدام أمثلة مثل المثال الأخير، يستعرض نيل شوفين علاقتنا الوثيقة مع الحيوانات الأخرى في الماضي والحاضر. الأمثلة مأخوذة من مجموعة مذهلة من المجالات: دراسة الحفريات القديمة، وتشريح أسماك القرش وقناديل البحر، والتسلسل الجيني للأميبا والذباب، وأكثر من ذلك بكثير. مرارًا وتكرارًا، بلغة خفيفة وعلى مستوى العين، يدق نيل مسمار الفهم بشكل أعمق في الحائط: تخترع الطبيعة آلية معينة مرة واحدة، ثم تستخدمها مرارًا وتكرارًا في أشكال وأدوار متنوعة في مخلوقات هي مختلفة تماما عن بعضها البعض. هل تعلم أن هناك أحفورة سمكة، الدرع الذي على ظهرها مصنوع بالكامل من... الأسنان؟ كتل من الأسنان الكثيفة والصلبة، للحماية من عض الأسنان الأخرى. نفس الآلية - مجموعة متنوعة من الأدوار.

"السمكة في الداخل" كتاب مذهل وملهم. إن الإيمان بصحة نظرية التطور شيء، ومشاهدتها على أرض الواقع بمساعدة عدد لا يحصى من الأمثلة الصغيرة والكبيرة في كل جزء من أجزاء الجسم شيء آخر. إن اكتشاف الروابط الخفية بيننا وبين بقية العالم الطبيعي سيولد بلا شك لدى القارئ شعورًا بالمتعة الخالصة، ناهيك عن التعالي. كتاب "السمكة في الداخل" يجب قراءته، وهو أحد أفضل ما قرأته في السنوات الأخيرة. مُستَحسَن!

[ران ليفي كاتب علمي. كتابه "Perpetum Mobila: في الفيزياء والآلات الأبدية والدجالين وكل شيء بينهما" صدر عام 2007 عن مكتبة معاريف. www.ranlevi.co.il]