تغطية شاملة

تحريك الأطراف الصناعية بقوة الفكر

فكرة تعليم الدماغ التحرك عبر الأفكار بعلامة على جهاز كمبيوتر أو ذراع آلية كانت محور المؤتمر السنوي لـ "جمعية علم الأعصاب" الذي انعقد قبل أسبوعين في ميامي

تخيل موقفًا يستخدم فيه شخص مشلول أفكاره لتنشيط ذراع آلية تضع كعكة في فمه. قد يبدو الأمر أشبه بقصة من قصص الخيال العلمي، ولكن في هذه الأيام تعمل مجموعات بحثية حول العالم على تطوير أجهزة يمكنها ترجمة الأفكار إلى حركات تؤديها الروبوتات وأجهزة الكمبيوتر. ستساعد هذه الأجهزة الملايين من الأشخاص الذين فقدوا قدرتهم على الحركة لأداء الإجراءات والتواصل مع البيئة.

وكانت فكرة تعليم الدماغ التحرك عبر الأفكار بواسطة علامة على جهاز كمبيوتر أو ذراع آلية، محور المؤتمر السنوي لـ«جمعية علم الأعصاب» الذي انعقد قبل أسبوعين في ميامي. وتم في المؤتمر عرض الجيل الأول من الأجهزة التي تعمل بالموجات الدماغية. ويتم اختبار فعالية هذه الأجهزة هذه الأيام بمساعدة أشخاص يعانون من شلل حاد. ويمكن معرفة درجة التقدم في هذا المجال من كلام أحد المشاركين في المؤتمر، الذي قال إن المشاكل الرئيسية التي تواجه مطوري الأجهزة اليوم ليست علمية بل هندسية. وقد نشرت مؤخرا مراجعة واسعة النطاق حول هذا الموضوع في مجلة "العلم".

كيف تنتقل المعلومات من الدماغ إلى الأطراف؟ على سبيل المثال، لنفترض أننا نريد التقاط كرة من الأرض. يرسل النظام البصري المعلومات إلى الجزء الخلفي من القشرة الدماغية. فهو يخطط للحركة ويرسل أمراً إلى منطقة الدماغ التي تشرف على الحركة. ومن هناك، يتم إرسال تعليمات دقيقة لأداء المهمة عبر الحبل الشوكي إلى عضلات الذراع. ولكن عندما يتضرر الحبل الشوكي، يتوقف مرور المعلومات من الدماغ إلى الأطراف، ولا تستجيب الأطراف للأوامر.

وفي السنوات الأخيرة اتسع الفهم فيما يتعلق بالعلاقات المتبادلة بين خلايا الدماغ وتنظيمها بالتنسيق مع تنشيط أعضاء الحركة. وفي الوقت نفسه، تم تطوير أقطاب كهربائية قادرة على استقبال المعلومات من العديد من الخلايا العصبية في نفس الوقت. كل هذه الأمور مهدت الطريق لتطوير الأطراف الاصطناعية التي من شأنها أن تتلقى المعلومات مباشرة من الدماغ وتعمل بدلا من أعضاء الحركة المشلولة.

الخطوة الأولى في تطوير مثل هذه الأجهزة كانت على يد فيليب كينيدي، كبير العلماء في شركة "الإشارات العصبية" في أتلانتا، حيث قام بتطوير جهاز من شأنه أن يساعد أولئك الذين لا يستطيعون التواصل مع البيئة على القيام بذلك. قام كينيدي ببناء قطب كهربائي مثقوب يتم زرعه في الدماغ ويطلق مزيجًا من المواد التي تسبب نمو الخلايا العصبية. تخترق الامتدادات العصبية إلى القطب من خلال المسام، حيث يتم استقبال الإشارات الخارجة من الخلايا العصبية وتسجيل شدة نشاطها. يتم نقل المعلومات التي يلتقطها القطب إلى الكمبيوتر، ويعالجها ويحرك المؤشر على الشاشة. بمساعدة حركة المؤشر، سيكون من الممكن معرفة الكلمات وكتابة الرسائل وإجراء محادثة مع البيئة.

وبعد الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في عام 1996 لتجربة الجهاز على البشر، قام كينيدي وفريقه بزرع القطب الكهربائي في ثلاثة مرضى مشلولين. وتم زرع القطب الكهربائي في منطقة الدماغ المعنية بالتحكم في الحركة.

توفيت إحدى المشاركات في التجربة بسبب مرضها بعد وقت قصير من زرع القطب الكهربائي؛ أما المريض الثاني، فقد خضع للعملية في شهر يوليو/تموز الماضي، ولم تنمو خلاياه العصبية بشكل كافٍ بعد. وتم زرع القطب الكهربائي للمريض الثالث، 53 عاما، المصاب بالشلل في جميع أعضاء جسمه إثر إصابته بجلطة دماغية، قبل عام. في هذا العام، تعلم المريض تحريك المؤشر على الكمبيوتر بأفكاره. تعلم في المرحلة الأولى كيفية التركيز على التفكير في تحريك يده، واليوم أصبح قادراً على تحريك المؤشر على الكمبيوتر مع التفكير مباشرة في هذا الإجراء.

ووفقا للباحثين، فإن نجاح التجربة يشير إلى المرونة الكبيرة التي يتمتع بها الدماغ، وهي الميزة التي تسمح له بتعلم وظائف جديدة. على سبيل المثال، في الحالات التي تتضرر فيها منطقة معينة من الدماغ، يجب في بعض الأحيان أن تقوم منطقة أخرى بالوظيفة المتضررة. يقول كينيدي إنه في هذه التجربة، تكيفت المنطقة المسؤولة عن الحركة مع مهمة تحريك المؤشر على الكمبيوتر.

والخطوة التالية هي تعليم الخلايا العصبية كيفية تحريك الأطراف الاصطناعية. ولهذا الغرض، هناك حاجة إلى أقطاب كهربائية تستقبل المعلومات من عدد أكبر من الخلايا العصبية، ويعمل العلماء على تطويرها. وتجري حاليا تجارب في هذا الصدد على الجرذان والقرود. الهدف هو تلقي المعلومات التي تنتقل عن طريق الخلايا العصبية في الوقت الحقيقي، وخلق الحركة معها. وحتى الآن، تمكن الباحثون من تشغيل ذراع آلية بشكل مباشر من خلال استقبال إشارات من 26 خلية عصبية في أدمغة القرود. تم تسجيل النشاط العصبي في الكمبيوتر وقام بتنظيم حركة الروبوت - فقد "قرر" أي المفاصل يجب أن تتحرك وإلى أي درجة. وهكذا تم إنشاء حركة طبيعية ثلاثية الأبعاد للذراع في الفضاء. وفي الخطوة التالية، يخطط الباحثون لتعليم الحيوانات مراقبة حركة الذراع الآلية بشكل واعي.

ويعرب العلماء عن تفاؤلهم بشأن تطبيق هذه الطريقة في المستقبل. ومع ذلك، فإن هذه التجارب ما زالت في بداية رحلتها فقط، وسوف يستغرق الأمر عشر سنوات أخرى قبل أن يصبح من الممكن تطبيقها على البشر.

ظهر في صحيفة هآرتس بتاريخ 18/11/1999

https://www.hayadan.org.il/BuildaGate4/general2/data_card.php?Cat=~~~302791664~~~204&SiteName=hayadan

ترك الرد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

يستخدم هذا الموقع Akismat لمنع الرسائل غير المرغوب فيها. انقر هنا لمعرفة كيفية معالجة بيانات الرد الخاصة بك.