تستغل مركبات ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية القرب من المريخ لدراسة التركيب الكيميائي للمذنب؛ ومن المتوقع أن يصل إلى نقطة الحضيض في 30 أكتوبر/تشرين الأول، مما سيؤدي إلى ذروة النشاط.
على-أكتوبر 3 2025 مرّ المذنب البينجمي 3I/ATLAS بالقرب من مدار المريخ، على بُعد حوالي 30 مليون كيلومتر من الكوكب الأحمر. وهذه هي المرة الثالثة فقط في التاريخ التي يُسجّل فيها عبور جسم من خارج النظام الشمسي لفضاءه الداخلي. وقد أثار هذا الحدث اهتمامًا هائلاً في الأوساط العلمية، إذ فتح نافذة رصد فريدة تُتيح فرصةً لفهم تركيب المواد القادمة من نجوم أخرى بشكل أفضل.
في نافذة الأيام 1-7 أكتوبرتُوجِّه وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) مركبتي مارس إكسبريس وإكسومارس TGO لمراقبة المذنب؛ وسيتيح الاقتراب القريب في 3 أكتوبر (حوالي 30 مليون كيلومتر) تصويرًا وقياسات طيفية للغاز والغبار المنبعث من النواة. ومن المقرر أن تتبع مركبة الفضاء JUICE التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية المذنب 3I/ATLAS بالقرب من الحضيض الشمسي وفي نوفمبر، عندما يكون نشاطه في ذروته. كما ستحاول مهمة سايكي التابعة لناسا، في طريقها إلى الكويكب 16 سايكي، التقاط ملاحظات. esa.int+1
كشفت المركبات الفضائية والصور الأرضية الكبيرة عن هالة وذيل، وتشير القياسات الأولية إلى وجود جليد مائي وثاني أكسيد الكربون مشابه للمذنبات "المحلية"، ولكن بكتلة هائلة تُقدر. بالنسبة للعلماء، يُعد هذا مختبرًا طبيعيًا لاختبار "وصفة" المواد الخام للأنظمة الكوكبية خارج الشمس: إذا تطابق تركيبها مع تركيب مذنبات النظام الشمسي، فهذا يُشير إلى عالمية العناصر الأساسية؛ وإذا انحرف، فقد نتعرض لمواد "غريبة" من نظام آخر. كرون
متى وماذا سيكون مرئيًا من الأرض؟ خلال الحضيض الشمسي، يكون المذنب قريبًا من الشمس بزاوية، لذا فإن رؤيته بالعين المجردة غير محتملة، بل وخطيرة. بعد مروره خلف الشمس، سيظهر مجددًا في سماء ديسمبر على مسافة بعيدة، ولن يكون مرئيًا إلا بالتلسكوبات والحوامل ثلاثية القوائم - معظم البيانات ستأتي من المركبات الفضائية.
الاكتشاف والخصائص الفريدة
اكتُشف المذنب لأول مرة في الأول من يوليو عام ٢٠٢٥، بواسطة تلسكوب أطلس في تشيلي، كجزء من مشروع رصد ممول من ناسا. أظهر تحليل مساره بوضوح أنه يتحرك في مسار زائدي، أي أنه لا يخضع لجاذبية الشمس، وأنه قادم من الخارج. سرعته المذهلة، التي تبلغ حوالي ٢١٩ ألف كم/ساعة (١٣٠ ألف ميل/ساعة)، أكدت هويته كجسم بين نجمي.
نواة المذنب 3I/ATLAS صغيرة نسبيًا، ويُقدر قطرها بأقل من كيلومتر واحد. ومع ذلك، فهي محاطة بهالة ساطعة من الغازات والغبار - المذنب - تنبعث مع ارتفاع درجة حرارة الجليد داخلها. تشير الملاحظات من الفضاء إلى أن المذنب غني بالجليد المائي وثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون، على غرار المذنبات المحلية. ومع ذلك، تُقدر كتلته بعشرات المليارات من الأطنان، وهو رقم ذو أهمية خاصة لأنه قد يُميزه عن المذنبات التي نعرفها.
عبور قريب إلى المريخ – مختبر طبيعي
سمح قرب المريخ لعدة مركبات فضائية بحثية بتوجيه أجهزة استشعار إليه. وشغّلت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) مركبة مارس إكسبريس ومسبار إكسومارس لرصد الغازات النزرة لجمع بيانات عن بنيته، بينما خططت ناسا لإجراء عمليات رصد باستخدام مركبة سايكي الفضائية في طريقها إلى الكويكب 16 سايكي.
ويتطلع العلماء بشكل خاص إلى المعلومات التي ستأتي في وقت لاحق من هذا العام: حوالي 30 أكتوبرسيصل المذنب إلى نقطة الحضيض الشمسي، وهي أقرب نقطة إلى الشمس، داخل مدار المريخ مباشرةً. خلال هذه الفترة، من المتوقع أن تُطلق نواته كميات كبيرة من الغاز والغبار، مما يسمح بقياس تركيبه الكيميائي بدقة عالية.
ملاحظات من JUICE والمركبات الفضائية الأخرى
بعد الحضيض الشمسي، تُوجِّه وكالة الفضاء الأوروبية أيضًا مهمة مستكشف أقمار المشتري الجليدية (JUICE) لمتابعة مهمة 3I/ATLAS، بين 2 و25 نوفمبر. مُجهَّز بأجهزة لقياس انبعاثات الضوء والحرارة والغاز بدقة عالية. يُشكِّل تنسيق عمليات الرصد بين مهمة مستكشف أقمار المشتري الجليدية (JUICE) والمركبات الفضائية حول المريخ، ثم مع عمليات الرصد الأرضية المُجدَّدة في ديسمبر، نموذجًا فريدًا من التعاون العالمي.
يمكن لمركبات فضائية أخرى، بما في ذلك مسبار استكشاف المريخ التابع لناسا، ومسبار تيانوين-1 الصيني، ومركبة "الأمل" الإماراتية، أن تُضيف معلومات قيّمة. ومن المتوقع أيضًا أن يُوفر مسبار باركر الشمسي بيانات عن بيئة البلازما عندما يكون المذنب قريبًا من الشمس.
مقارنة مع الضيوف السابقين
انضم 3I/ATLAS إلى قائمة قصيرة جدًا من المذنبات البيننجمية. كان أولها 1I/ʻOumuamua، الذي اكتُشف عام 2017، وقد أثار شكله الممدود وتسارعه الغامض جدلًا حول ما إذا كان جسمًا اصطناعيًا. أما الثاني فكان 2I/Borisov عام 2019، والذي بدا كمذنب كلاسيكي ذي ذيل لامع. والآن، يقدم 3I/ATLAS مزيجًا من السمات المألوفة مع كتلة غير عادية، مما يوفر نموذجًا آخر للمقارنة بين الأنظمة الشمسية.
الرؤية من الأرض
رغم الإثارة، لن يكون المذنب مرئيًا بسهولة لعامة الناس. فقربه الزاوي من الشمس في الحضيض الشمسي يجعل رؤيته المباشرة خطرة. سيُرى مجددًا بالتلسكوبات الكبيرة في ديسمبر 2025، عندما يقترب من الأرض على مسافة حوالي 1.8 وحدة فلكية (حوالي 270 مليون كيلومتر). تضمن هذه المسافة عدم وجود أي تهديد للأرض، ولكنها أيضًا تمنع الرصد بالعين المجردة.
أهمية علمية واسعة
قد تُقدّم دراسة 3I/ATLAS إجاباتٍ على أسئلةٍ جوهرية: هل تتشابه مكونات الأنظمة النجمية في جميع أنحاء المجرة؟ أم أنها فريدةٌ لكل نظام؟ إذا كان تركيبها مشابهًا لتركيب المذنبات في نظامنا الشمسي، فهذا يُشير إلى وجود تجانسٍ كيميائيٍّ في الكون. وإذا عُثر على مواد "غريبة"، فسيُلقي العلم نظرةً نادرةً على بيئةٍ مختلفةٍ تمامًا.
مثّل عبور مدار المريخ في 3 أكتوبر بداية سلسلة من عمليات الرصد المنسقة التي ستستمر حتى مارس 2026 على الأقل، عندما يمر الكويكب 3I/ATLAS بالقرب من كوكب المشتري في طريقه للخروج من النظام الشمسي. يُعد هذا زائرًا كونيًا نادرًا، مما يجعل نظامنا الشمسي مختبرًا مفتوحًا لفهم العمليات التي تحدث في الأنظمة الكوكبية الأخرى في جميع أنحاء المجرة.
المزيد عن الموضوع على موقع العلوم: