حفرية عمرها 108 مليون سنة تقريبًا تؤخر ظهور الديناصورات الباكيسيفالوصورات بحوالي 15 مليون سنة، مما يلقي الضوء على دور القبة كجزء من السلوك الاجتماعي.
كشفت صحراء جوبي في منغوليا، أحد أهم مواقع الحفريات في العالم، مؤخرًا عن اكتشافٍ استثنائي: حفريات شبه كاملة لديناصور صغير من فصيلة باتشيسيفالوصوريات، المعروفة باسم "الديناصورات ذات الرؤوس المقببة". يعود تاريخ الحفرية إلى حوالي 108 ملايين سنة، أي قبل حوالي 15 مليون سنة من التسلسل الزمني للمجموعة. وقد سُمّي النوع الجديد زافاسيفيل رينبوتشي، ويعتبر أقدم ديناصور بجمجمة مقببة تم العثور عليه حتى الآن.
اكتشاف مهم في صحراء جوبي
اكتُشفت الأحفورة في موقع خورين دوخ بحوض جوبي الشرقي، ضمن بعثة دولية قادها الباحث الدكتور تسوغتباتار تشينزوريغ من المعهد المنغولي للعلوم، والذي يعمل أيضًا زميلًا باحثًا في جامعة روتجرز بالولايات المتحدة. يحمل الاسم الذي أُطلق على النوع الجديد دلالة رمزية: "زافا" تعني "الجذر" أو "المصدر" باللغة التبتية، و"رينبوتشي" تعني "الثمين". يعكس الاسم الأهمية التطورية لهذا النوع - أقدم مصدر معروف لقبة الرأس - والشكل الفريد للجمجمة، الذي يشبه جوهرة مستديرة.
أظهرت الفحوصات التشريحية أن الفرد كان صغيرًا نسبيًا. وأظهر تحليل مقاطع من عظام الساق أنه لم يبلغ مرحلة النضج الكامل، إلا أن الجمجمة كانت قد نمت عليها قبة واضحة، دون أي زخارف إضافية. وهذا يشير إلى أن سمة القبة تطورت في مرحلة مبكرة من الحياة، على عكس الافتراض القائل بأنها بنية لا تظهر إلا في مرحلة البلوغ.
الكيبا – ليست مجرد سلاح
اشتهرت الباكيسيفالوصورات بجماجمها المستديرة السميكة، والتي خمّن بعض الباحثين أنها استُخدمت كأسلحة في القتال المباشر أو للحماية من الحيوانات المفترسة. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، تزايدت الأدلة على أن القباب كانت تُستخدم في المقام الأول لأغراض اجتماعية أو استعراضية - كوسيلة لجذب الأزواج أو ردع المنافسين.
وأوضح البروفيسور ليندسي زينو من جامعة نورث كارولينا، أحد رواد دراسة هذه الديناصورات:
"القباب الرأسية ليست بالضرورة هياكل وظيفية للحماية أو تنظيم الحرارة، ولكن من المرجح أنها كانت تستخدم للتواصل البصري - العرض أو المنافسة."
الأحفورة زافاسيفيل رينبوتشي ويقدم هذا دليلاً مهماً يدعم هذا النهج، حيث ظهرت القبة في سن مبكرة، حتى قبل أن يحتاجها الديناصور لحماية نفسه في المعارك.
ماذا يعلمنا هذا الاكتشاف عن التطور؟
إن ظهور القبة قبل 108 ملايين سنة، أي قبل وقت طويل من ظهور الديناصورات القبة المعروفة في أواخر العصر الطباشيري في أمريكا الشمالية، يشير إلى أن أصل هذه المجموعة يعود إلى آسيا. وهذا يعزز فكرة هجرة الديناصورات ذات الرأسين من آسيا إلى الأمريكتين عبر جسر بري قديم.
علاوةً على ذلك، تُتيح لنا الحفرية الجديدة دراسة كيفية التمييز بين الاختلافات بين الأنواع المختلفة والاختلافات المتعلقة بمراحل النمو. كانت العديد من الأمثلة السابقة للباكيسفالوصورات جزئية فقط، وكان من الصعب أحيانًا التمييز بين ما إذا كان هذا نوعًا جديدًا أو فردًا صغيرًا من نوع معروف. في هذه الحالة، فإن كون هذا الفرد صغيرًا يُظهر قبةً واضحةً بالفعل يُعزز فهم أن هذه سمة تطورية مبكرة وليست مجرد مرحلة نمو.
التشريح والملحقات الفريدة
بالإضافة إلى الجمجمة، تضمنت الأحفورة أجزاءً أخرى: عظام يد، وذيلًا بأوتار متحجرة، وحصوات معدة (حصوات معوية) استُخدمت لطحن الطعام. يتيح لنا تكامل البيانات رسم صورة أكثر شمولاً لنمط حياة الديناصور، ونظامه الغذائي، وطريقة حركته.
يشير الباحثون إلى أن هذه الأحفورة تُثري فهمنا لتطور الديناصورات العاشبة الصغيرة التي عاشت جنبًا إلى جنب مع أنواع أكبر وأكثر شيوعًا في الصحاري القديمة. وتشير حقيقة ظهور القبة في مراحل مبكرة من التطور إلى أهميتها الكبيرة في التطور الاجتماعي والتطوري للمجموعة.
أتطلع قدما
يُسلّط هذا الاكتشاف الضوء على أهمية مواقع الحفريات في منغوليا، والتي سبق أن أسفرت عن اكتشافات فريدة أخرى، بما في ذلك ديناصورات ريشية وأجنة متحجرة. يُسهم كل اكتشاف من هذا القبيل في استكمال لغز تطور الديناصورات، ويُضيف تفاصيل إلى فهمنا لديناميكياتها البيئية والاجتماعية.
في حالة زافاسيفيل رينبوتشيلا يقتصر الأمر على تحديد تاريخ ظهور القبة فحسب، بل يُتيح فهمًا أعمق لوظيفتها. سيشجع هذا الاكتشاف على إجراء المزيد من الأبحاث على الديناصورات الصغيرة، ويوفر نقطة مقارنة للأنواع اللاحقة.
للمادة العلمية
DOI: 10.1038/s41586-025-09213-6
المزيد عن الموضوع على موقع العلوم: