تغطية شاملة

الصحوة

قام علماء معهد وايزمان للعلوم مؤخراً بتطوير طريقة فريدة من نوعها، تجعل من الممكن فهم كيفية قيام الدماغ بمهمة تنظيم نشاطه الخاص، وبالتالي زيادة سيطرته على نشاطه الخاص

مقطع عرضي للخلية العصبية. من ويكيبيديا
مقطع عرضي للخلية العصبية. من ويكيبيديا

يعرف كل والد المعضلة: هل يجب أن تعطي الطفل زمام الأمور وتشجعه على التطور الشخصي، أم تراقب أفعاله عن كثب؟ من الصعب تحقيق التوازن الدقيق بين النشاط المستقل والإشراف والتحكم، لكن الدماغ البشري يحافظ عليه بسهولة، ويتمكن من تنظيم نشاطه بدقة.

وقد طور العلماء في معهد وايزمان للعلوم مؤخرا طريقة فريدة من نوعها، تجعل من الممكن فهم كيفية قيام الدماغ بهذه المهمة المعقدة، وبالتالي زيادة سيطرته على نشاطه الخاص. يحتوي الدماغ على حوالي 100 مليار خلية متفرعة تسمى الخلايا العصبية، والتي تنقل الإشارات الكهربائية. تقوم هذه الإشارات بتشفير المعلومات التي تسمح للدماغ بجدولة جميع الأنشطة التي تجري فيه، وفي الواقع إدارة جميع سلوكيات الإنسان والحيوان. لنقل المحفز إلى الخلايا العصبية المجاورة، يجب أن تعبر الإشارة العصبية الفجوة الضيقة بين الخلايا (تسمى الفجوة المشبكية).

يتم تنفيذ هذه العملية على عدة مراحل. في المرحلة الأولى، بعد وصول الإشارات إلى الخلية من الخلايا العصبية الأخرى، تتجاوز إمكاناتها الكهربائية قيمة عتبة معينة، ونتيجة لذلك "تطلق" إشارة كهربائية، مما يؤدي إلى إطلاق مواد مختلفة من الخلية. تعبر هذه المواد -التي تسمى "النواقل العصبية"- الحيز الموجود بين الخلايا، وتلتقطها مستقبلات خاصة موجودة على جدار الخلية العصبية المجاورة، فتنقل الرسالة العصبية إليها. وبما أن الشبكة العصبية تتضمن اتصالات لا تعد ولا تحصى بين الخلايا العصبية والعديد من دوائر التغذية الراجعة، فقد يتطور النشاط الكهربائي بسرعة ويسبب "إطلاقًا" بدون توقف، والذي يتجلى في ظواهر مثل الهلوسة أو النوبات المتشنجة - مثل تلك التي تحدث في الصرع. لذلك، يعد تقييد "نقل" الإشارة العصبية خطوة مهمة في الاتصال الصحيح بين الخلايا العصبية. ولهذا السبب توجد الخلايا المثبطة، التي ترسل إشارات تقلل من الإمكانات الكهربائية للخلايا العصبية، وتمنع "إطلاق" الخلايا العصبية غير المنضبط بعد المنبهات.

والسؤال الذي شغل الكثير من العلماء يتعلق بتوقيت بدء الإشارات المثبطة: هل يتم إرسالها بشكل عشوائي، أم أنها منسقة بطريقة ما مع الإشارات الاستثارية؟ وكانت العقبة الكبرى التي واجهوها هي التعقيد الهائل للأحداث التي تؤدي إلى نقل كل إشارة - فالإمكانات الكهربائية للخلية العصبية هي نتيجة العديد من المجموعات بين الإشارات المثيرة والمثبطة، بحيث يكون من المستحيل عمليا تحديد المساهمة والتأثير. توقيت إشارة واحدة معينة. طريقة تجريبية جديدة طورها مؤخراً الدكتور إيلان لامبل والباحث

زميل ما بعد الدكتوراه الدكتور مايكل أوكون، من قسم علم الأعصاب في معهد وايزمان للعلوم، قد يحل المشكلة. وفي إحدى دراساته السابقة، قام الدكتور لامبل بإدخال أقطاب كهربائية صغيرة في الخلايا العصبية، وتمكن في الوقت نفسه من قياس الإمكانات الكهربائية لأزواج الخلايا العصبية. وبهذه الطريقة تمكن من إظهار أن الإمكانات الكهربائية للخلايا العصبية المجاورة متشابهة جدًا في الواقع، بحيث يمكن استنتاج أن الخلايا تتلقى مجموعات مماثلة من الإشارات من شبكة الخلايا العصبية المحيطة بها. وبناءً على هذه النتائج، افترض العلماء أنهم إذا قاموا بفحص زوج من الخلايا العصبية المتجاورة، ومرروا التيار الكهربائي من خلالها باستخدام الأقطاب الكهربائية الصغيرة، فسيتمكنون من قياس بداية الإثارة في خلية واحدة بشكل منفصل - في نفس الوقت. الخلية، وبدء التثبيط في الخلية الأخرى. وبهذه الطريقة، سيكون من الممكن تحديد توقيت الحدثين بدقة، والتحقق من الارتباط بينهما.

على اليمين: د. مايكل أوكون ود. إيلان لامبل، معهد وايزمان. التنسيق الكامل
على اليمين: د. مايكل أوكون ود. إيلان لامبل، معهد وايزمان. التنسيق الكامل

وبهذه الطريقة، قام الباحثون بقياس النشاط الكهربائي لأزواج الخلايا العصبية الموجودة في منطقة معينة في القشرة الدماغية لدى الفئران، والتي تصل إليها المعلومات الحسية من شوارب الحيوان. تم إجراء القياسات أثناء النشاط التلقائي للخلايا العصبية، أي في غياب التحفيز الحسي الخارجي، وأثناء التحفيز الحسي. ولأن الباحثين كانوا يقيسون نشاط الخلايا العصبية في القشرة الدماغية التي تعالج الإشارات الصادرة عن شوارب الجرذ، فقد تم تحفيز التحفيز الحسي في هذه التجربة عن طريق تحريك الشعيرات. اكتشف الباحثون أنه في كلتا الحالتين، تم توقيت الإشارات المثبطة إلى حد كبير مع الإشارات المثيرة، حيث لم تتخلف عنها سوى بضعة أجزاء من الألف من الثانية.

تم تنسيق الإشارات ليس فقط من حيث توقيت حدوثها، ولكن أيضًا من حيث حجمها، فكلما أرسلت الخلايا العصبية المثيرة معًا إشارة أقوى، زادت قوة الإشارة الصادرة من الخلايا المثبطة. توفر هذه النتائج، التي نُشرت مؤخرًا في مجلة Nature Neuroscience، أول دليل مباشر على أن الإشارات المثيرة والمثبطة في الدماغ يتم تنسيقها بشكل مستمر ودقيق.

الدكتور لامبل: "هذه النتائج يمكن أن تلقي الضوء على لغز لم يتم حله - ما إذا كان عدم التوازن بين الإشارات المثيرة والمثبطة قد يفسر بعض أسباب حدوث بعض الاضطرابات العصبية. وربما يتيح حل اللغز في المستقبل استخدام المعلومات التي تم الحصول عليها لتخطيط وتطوير أدوية ستعيد التوازن الذي تم انتهاكه.

ترك الرد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

يستخدم هذا الموقع Akismat لمنع الرسائل غير المرغوب فيها. انقر هنا لمعرفة كيفية معالجة بيانات الرد الخاصة بك.