الطيران بقوة الفكر: رجل مشلول يتحكم بطائرة بدون طيار من خلال واجهة الدماغ والآلة

تمكن توم، الذي يعاني من الشلل في جميع أطرافه الأربعة، من قيادة طائرة بدون طيار والتنقل عبر مسار مليء بالعقبات باستخدام مجموعة من الأقطاب الكهربائية الدقيقة المزروعة وفك تشفير حركات الأصابع "الافتراضية" - وهي قفزة إلى الأمام في دقة وسرعة التحكم في واجهة الدماغ والحاسوب.

الدكتور عدي يانيف، موقع معهد ديفيدسون، الذراع التعليمي لمعهد وايزمان للعلوم

رجل مشلول يتحكم بطائرة بدون طيار بعقله. رسم توضيحي: آفي بيليزوفسكي عبر DALEE
تمكّن توم، المصاب بالشلل في أطرافه الأربعة، من قيادة طائرة بدون طيار واجتياز مسار عوائق باستخدام مصفوفة أقطاب كهربائية دقيقة مزروعة، وفكّ رموز حركات الأصابع "الافتراضية"، ما يُعدّ نقلة نوعية في دقة وسرعة التحكم في واجهة الدماغ والحاسوب. رسم توضيحي: آفي بيليزوفسكي عبر DALEE

كان توم (ليس اسمه الحقيقي) رجلاً يعيش حياةً عادية. لم يكن يُفكّر كثيرًا في المهام اليومية التي يُريد القيام بها، بل كان يُنجزها ببساطة - كان يكتب، ويسكب الماء في كوب، ويلعب ألعاب الفيديو والكمبيوتر. لكن بعد ذلك، تعرّض لحادث، وأُصيب في فقرات عنقية، وأُصيب بشلل في ذراعيه وساقيه. لا يستطيع المشي، ولا تحريك يديه، ويحتاج إلى مساعدة في العديد من مهامه اليومية. الآن، بفضل تطور تكنولوجي جديد، يستطيع توم، البالغ من العمر 69 عامًا، "النهوض من السرير"، إن صح التعبير، بمفرده. قد يبقى جسده مشلولًا من الرقبة إلى أسفل، لكن هذا بالضبط ما يصفه بشعور التحرر الذي ينشأ فيه عندما يستخدم واجهة الدماغ والآلة. الذي يسمح له بتحليق طائرة بدون طيار وتوجيهه عبر العقبات.

الملف الشخصي واجهة الدماغ والآلة إنها تسمح بالتواصل بين الدماغ وجهاز خارجي. وظيفتها هي ترجمة إشارات الدماغ إلى أوامر تشغيل للآلات، مثل الحاسوب أو ذراع آليةالعديد من هذه الواجهات غير جراحية، ولكنها تعتمد على مراقبة النشاط الكهربائي الكلي للدماغ باستخدام أقطاب كهربائية متصلة بالرأس. تتصل هذه الأقطاب بجهاز تخطيط كهربية الدماغ (EEG)، الذي يلخص جميع النشاط الكهربائي الذي يحدث في الخلايا العصبية أسفل كل قطب. يسمح هذا بإنشاء نظام يربط، على سبيل المثال، ترددات معينة من النشاط الكهربائي في مناطق محددة من الدماغ بحركة بسيطة ومحددة مسبقًا تقوم بها آلة: مثل قيادة سيارة لعبة أو التحكم في مؤشر على شاشة حاسوب.

الواجهات الأخرى أكثر تدخلاً، إذ تتطلب توصيل أقطاب كهربائية دقيقة بالخلايا العصبية في منطقة محددة من الدماغ لتسجيل النشاط العصبي. في عام ٢٠١٦، وكجزء من دراسة أخرى، زُرعت مصفوفتان من الأقطاب الكهربائية الدقيقة في دماغ توم في المنطقة التي تتحكم بحركات اليد. هذه المرة، استُخدمت الإشارات المُستقبَلة من الأقطاب الكهربائية في دماغه لتدريب توم على أداء حركات منفصلة في وقت واحد بأصابع يد افتراضية. هذه القدرة ليست ممتعة فحسب، ولا تقتصر على تحليق طائرة بدون طيار، كما حدث في التجربة. تتيح لك هذه القدرة نفسها التحكم في لوحة مفاتيح الكمبيوتر أو أزرار وعصا التحكم في معظم ألعاب الكمبيوتر. هذه خطوة مهمة نحو خلق عالم يمكن فيه للأشخاص المصابين بالشلل لعب أي لعبة والكتابة بسرعة والتفاعل الاجتماعي الافتراضي.

يقوم توم بتحريك أصابع اليد الافتراضية على الشاشة أمامه.

الطيران دون معرفة كيفية الطيران

لتشغيل واجهة الدماغ والآلة، لا يكفي مجرد التفكير: "أريد أن تُقلع الطائرة بدون طيار". المطلوب هو ربط إشارات دماغية محددة بخوارزمية - سلسلة من التعليمات والقواعد - تُمكّن من قراءتها وربطها بأمر محدد. على الرغم من إصابة توم بالشلل بسبب إصابة في النخاع الشوكي، إلا أن دماغه يعمل بكفاءة، ويمكنه إرسال أوامر إلى العضلات. قد لا يصل الأمر إلى العضلة، لكن الأقطاب الكهربائية المزروعة في دماغه قادرة على رصد نشاط الدماغ المرتبط به.

لكن الباحثين تولوا مهمةً بالغة التعقيد. عادةً ما تُستخدم هذه الواجهات لأداء حركات بسيطة، مثل تحريك فأرة الحاسوب - وهي حركةٌ يقوم بها طرفٌ واحد: المعصم. هنا، أرادوا تمكين أداء حركاتٍ معقدةٍ بمجموعاتٍ من ثلاث مجموعاتٍ من الأصابع، على غرار أجهزة تشغيل معظم ألعاب الحاسوب اليوم، والتي تتطلب تشغيل إصبعين أو ثلاثة أصابع بشكلٍ منفصل. يتيح دمج حركات الأصابع المختلفة مجموعةً واسعةً من الحركات المعقدة.

تدرب توم في البداية على تحريك أصابع يد افتراضية ظهرت على الشاشة أمامه، من خلال التفكير أو التخيل وهو يقوم بتلك الحركات بيده المشلولة. كان التحدي الأكبر هو تعلم التحكم بإبهامه وأصابعه بشكل منفصل، بحيث تتحرك في اتجاهات مختلفة.

بعد أن أتقن توم هذه الحركات، زاد الباحثون من مستوى الصعوبة، فتدرب على تحريك إبهامه وحده، والسبابة والوسطى معًا، والبنصر والخنصر معًا. أصبح لديه الآن ثلاث مجموعات من الأصابع ليتحكم بها. في كل مرة، كان عليه تحريك هذه المجموعة إلى هدف على الشاشة، مع بقاء الأصابع الأخرى ثابتة. بهذه الطريقة، اكتسب تحكمًا دقيقًا نسبيًا في راحة اليد المحوسبة في حركات متنوعة.

بعد أن تعلم توم التحكم باليد الافتراضية، استخدمها للتحكم في طائرة بدون طيار معروضة على شاشة. تغيّرت سرعة الطائرة واتجاه حركتها بتغير موضع أصابع اليد الافتراضية: كان السبابة يتحكم في سرعة الإقلاع، بينما كان الخنصر يتحكم في الدوران يمينًا ويسارًا. ولأن الإبهام كان يتمتع بخيارات حركة أكثر من بقية الأصابع، فقد كان يتحكم في اتجاه الحركة وسرعتها أفقيًا ورأسيًا. بهذه الطريقة، تدرب توم على تحريك أصابعه، ولم يكن التدريب صعبًا عليه، حسب قوله.

تحريك أصابع راحة اليد الافتراضية يتحكم في الطائرة بدون طيار وينقلها عبر مسار العقبات على الشاشة.

"مثل العزف على الكلارينيت لشخص آخر"

خلال التدريب، قال توم إنه كان من الأسهل عليه التحكم في الطائرة بدون طيار عندما نظر إليها وصورة اليد الافتراضية معًا. وعندما طُلب منه وصف الانتقال من التحكم باليد الافتراضية إلى التحكم في الطائرة بدون طيار، قال: "لنفترض أنك عازف كلارينيت وفجأة تجد نفسك تعزف على آلة موسيقية أخرى - ستشعر بالفرق، وهناك منحنى تعلم، لكن العزف يعتمد على تحكمك في الكلارينيت".

لاختبار تحكمه بالطائرة بدون طيار، عُرض على توم مسار عوائق تطلب منه توجيه الطائرة عبر حلقات متناثرة. فاق أداؤه بكثير ما حققه. في المحاولات السابقة تحكم بالطائرة بدون طيار باستخدام واجهة تفاعلية بين الدماغ والآلة. مقارنةً بالنظام السابق، الذي كان يسمح بتحريك الطائرة بدون طيار عبر ثلاث حلقات في أربع دقائق، تمكن توم باستخدام النظام الحالي من عبور 18 حلقة في أقل من ثلاث دقائق! يُعد هذا تحسنًا كبيرًا، ويشير إلى تقدم ملحوظ في فك تشفير إشارة الدماغ ونقلها.

يعاني العديد من ذوي الإعاقة أيضًا من الوحدة والملل بسبب محدوديتهم. إتقان ألعاب الفيديو يُساعدهم على التخلص من الملل، ويفتح لهم أيضًا مجالًا للتواصل الاجتماعي واللعب مع الآخرين. يقول الباحثون إن توم كان متحمسًا جدًا لتحليق الطائرة المسيرة لدرجة أنه لم يتعب من التدريب وطلب التوقف. قال لهم: "أشعر أننا نستطيع العمل حتى التاسعة مساءً"، ولم يُبدِ أي تعب أو ملل من التدريب المتكرر. حتى أنه تدرب أحيانًا على تحليق الطائرة المسيرة بمبادرة شخصية، خارج أوقات البحث الرسمية. لم يكن دافعه القوي للتحكم بالطائرة نابعًا فقط من رغبته في المساهمة في العلم، بل أيضًا من شعوره بالنجاح والكفاءة. تساعدنا الخبرة البحثية المكتسبة في هذه الدراسة ودراسات مماثلة على فهم أفضل لتشفير نشاط الدماغ وترجمته إلى أوامر آلية. على سبيل المثال، يتعلم العلماء الأبعاد المختلفة اللازمة للتحكم في جهاز معين - على سبيل المثال، أي مناطق الدماغ تحتاج إلى تنشيط، وأي اتجاهات حركة تحتاج إلى التحكم، أو ما هي الطريقة الأكثر فعالية لتدريب الشخص على التحكم في نشاط دماغه واستخلاص الاستجابة المطلوبة من الكمبيوتر. هناك بالفعل الشركات التجارية الذين يقومون أيضًا بالبحث في هذا المجال، بحيث تفتح إمكانيات جديدة ومثيرة في المستقبل غير البعيد للأشخاص ذوي الإعاقة لتحسين نوعية حياتهم.

موقع معهد ديفيدسون

المزيد عن الموضوع على موقع العلوم:

ترك الرد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

يستخدم هذا الموقع Akismet لتصفية التعليقات غير المرغوب فيها. مزيد من التفاصيل حول كيفية معالجة المعلومات الواردة في ردك.