تغطية شاملة

لقد تم دحض الأسطورة القائلة بأن الأخطبوط ليس لديه دماغ مستقل في كل ذراع

تقدم دراسة أجراها باحثون من الجامعة العبرية، أول دليل على أن دماغ الأخطبوط يتلقى معلومات من الأذرع فيما يتعلق بوضعها أو حركتها. كما يظهر لأول مرة أن هناك تحكم بين الدماغ والذراع في الوقت الحقيقي، أي تبادل المعلومات الحسية من الذراع إلى الدماغ بسرعة عالية نسبيا من أجل اتخاذ قرار بشأن استمرار حركتها

اخطبوط. مختبر البروفيسور بيني هوشنر في الجامعة العبرية
اخطبوط. مختبر البروفيسور بيني هوشنر في الجامعة العبرية

يعد جمع المعلومات الحسية والقدرة على التعلم ومعالجتها والاستجابة وفقًا لذلك جانبًا أساسيًا من سلوك الحيوان. الأخطبوطات، التي تعتبر من أكثر الحيوانات ذكاءً بين اللافقاريات على الرغم من أن طبيعة ذكائها الدقيقة لا تزال غير واضحة، توفر لنا نظامًا فريدًا لدراسة العلاقة بين المعلومات الحسية والمعالجة العصبية والنشاط الحركي. ومن المعروف الآن أن الأخطبوط يمتلك أكبر جهاز عصبي بين اللافقاريات، وأكبر من بعض الفقاريات (مثل الفئران مثلا)، مع وجود أكثر من نصف الخلايا العصبية خارج الدماغ، وفي الجسم، وفي الأذرع المرنة.

حتى الآن كان من المقبول أن تتم الحركة ومعالجة المعلومات الحسية في الذراعين

هل للأخطبوط أدمغة متعددة؟ لا يزال العديد من الباحثين في حيرة من أمرهم ويتصارعون مع هذا السؤال. في الماضي، تم تقديم الأدلة على أن كل ذراع من أذرع الأخطبوط تعمل أحيانًا بشكل مستقل، دون تبادل المعلومات فيما بينها ودون تدخل من الدماغ المركزي، بينما يتم في حالات أخرى تقديم عامل تحكم واحد ينسق نشاط الأذرع. على أية حال، يوجد في كل ذراع من أذرع الأخطبوط الثمانية مئات الأزرار مع آلاف الخلايا الحسية للتذوق واللمس (يمكنك مقارنة ذلك بثمانية أذرع بها مئات الألسنة). إن دماغ الإنسان والفقاريات له تمثيل للجسم، وكلما زاد عدد الخلايا الحسية في عضو معين (مثل اللسان أو الإصبع)، زادت مساحة الدماغ التي تمثله. في الأخطبوطات، لم يتم العثور حتى الآن على أي دليل على رسم خرائط الجسم في الأجزاء العلوية من الدماغ. وهذا أحد الأسباب التي جعلت العديد من الباحثين يعتقدون أن دماغ الأخطبوط يتلقى معلومات محدودة للغاية من الذراعين، ومعظم الحركة ومعالجة المعلومات الحسية تتم في الذراعين أنفسهما.

الأخطبوط في المتاهة. تصوير: مجموعة أبحاث البروفيسور بيني هوشنر في الجامعة العبرية

العديد من الدراسات التي أجريت في السنوات الأخيرة في مجموعة أبحاث البروفيسور بيني هوشنر في الجامعة العبرية تدعم فكرة أنه خلال التطور تكيفت الأخطبوطات مع البنية "الغريبة" لجسمها، والتنظيم الفريد لجهازها العصبي من أجل السماح للأخطبوطات ليعمل بكفاءة عالية حتى في غياب تمثيل الجسم في الجهاز العصبي المركزي. "من المهم أن نفهم أنه على عكس جسمنا، حيث يكون عدد المفاصل محدودًا نسبيًا، فإن تمثيل جسم مرن مثل جسم الأخطبوط (الذي يمكن تخيله على أنه يتكون من عدد لا حصر له من المفاصل) سيتطلب جهازًا عصبيًا بحجم غير واقعي وتعقيد. وبعبارة أخرى، فإن "التنظيم المتجسد" للتكيف المتبادل والمعقد بين جسم ودماغ الأخطبوط هو الذي يكمن وراء تكيف الأخطبوط مع بيئته،" يوضح البروفيسور هوشنر.

في دراسة جديدة أجراها البروفيسور هوشنر، د. ميخائيل كوبا، ود. تمار جوتنيك من قسم علم الأحياء العصبي في معهد علوم الحياة في الجامعة العبرية، بالتعاون مع الباحثة من إيطاليا - ليتيسيا زولو، من المركز للروبوتات الحيوية في المعهد الإيطالي للتكنولوجيا، ونشرت في المجلة العلمية "Current Biology"، تم اختبار القدرات التعليمية للأخطبوط واختبار مستوى المعلومات الواردة من الأذرع. وقام الباحثون ببناء متاهتين على شكل حرف Y داخل أحواض السمك حيث تم العثور على الأخطبوطات، مما سمح لهم باستخدام ذراع واحدة فقط للعثور على الجانب الصحيح حيث يوجد مصدر طعامهم. لم تتمكن الأخطبوطات من رؤية الذراع أو الطعام داخل المتاهة، لكنها تعلمت أنه من أجل الحصول على الطعام، يجب عليها إدخال ذراع في المتاهة والاعتماد فقط على المعلومات الحسية من الذراع التي تتحرك عبر "المتاهة".

كيف يشعر الأخطبوط بجسده؟

"ركز البحث على حواسين. الأول، استقبال الحس العميق، الاستشعار الذاتي للجسم، أي القدرة على "معرفة" مكان ذراعي أو ما تفعله حتى عندما لا أستطيع رؤيتها، لأن الأخطبوطات غير قادرة على رؤية أذرعها داخل المتاهة. عند الإنسان، يعتمد جزء مركزي من هذه الحاسة على الخلايا الحسية الموجودة بين العضلات الهيكلية والمفاصل، وهي بالطبع غير موجودة في الأخطبوطات. في هذه التجربة، تعلمت الأخطبوطات إدخال ذراعها في المتاهة وتوجيهها دائمًا في نفس الاتجاه. والحاسة الثانية التي تم اختبارها كانت حاسة اللمس. في هذه التجربة، تعلم الأخطبوط أن هناك جانبًا أملسًا في المتاهة وجانبًا خشنًا، وأن واحدًا فقط من الاثنين سيحتوي على طعام. لاحظنا أنهم تعلموا وضع ذراعهم في المتاهة، و"الإحساس" بالمنطقة، ومن ثم تحديد ما إذا كانوا قد اختاروا الجانب الأيمن أم كانوا بحاجة إلى تبديل الجانبين. ومن الجدير بالذكر أنه في هذه الحالة اختارت الأخطبوطات في النهاية حركات بحث أبطأ، والتي تضمنت استكشاف الجزء الداخلي من المتاهة. وقال الدكتور جوتنيك: "إن نتائج سرعة التعلم لا تختلف بشكل كبير عن تلك الموجودة في الدراسات السابقة".

وتثبت نتائج الدراسة لأول مرة أن دماغ الأخطبوط يتلقى معلومات حسية من الذراعين وأنه من هذه المعلومات يستطيع الأخطبوط استنتاج وضعية وحركة الذراعين. كما أظهرت الدراسة لأول مرة أن الدماغ يستطيع التحكم في حركة الذراع في الوقت الحقيقي حتى بدون حاسة البصر، أي أن هناك تبادل للمعلومات الحسية من الذراع إلى الدماغ بسرعة عالية بما يكفي للقيام بذلك. قرار بشأن استمرار الحركة. بالإضافة إلى ذلك، من بين النتائج المهمة التي تم اكتشافها في الدراسة هو أن الأخطبوطات لا تستخدم دائمًا نفس الذراع، مما يعني أن المعلومات التي يتم تعلمها بمساعدة ذراع واحدة متاحة للاستخدام بواسطة ذراع أخرى. ومن هذا يمكن أن نستنتج أن المعلومات نفسها لا تتم معالجتها أو تخزينها على مستوى الذراع بل في الدماغ المركزي.

ويختتم الدكتور جوتنيك: "يوضح بحثنا أنه على الرغم من أن أذرع الأخطبوط تتمتع بالعديد من القدرات الحركية والحسية المستقلة، إلا أنها لا تزال جزءًا لا يتجزأ من قدرة الأخطبوط ككائن حي على فهم بيئته والتصرف بناءً عليها، وعند الضرورة، تخضع لسيطرة الجهاز العصبي المركزي. بالإضافة إلى ذلك، يوضح لنا البحث أنه ليس حيوانًا بتسعة أدمغة، بل حيوان بدماغ واحد كبير وثمانية أذرع ذكية".

للمادة العلمية

المزيد عن الموضوع على موقع العلوم:

ترك الرد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

يستخدم هذا الموقع Akismat لمنع الرسائل غير المرغوب فيها. انقر هنا لمعرفة كيفية معالجة بيانات الرد الخاصة بك.